اقرا ايضا


دفتر السفر الشعري

الدار البيضاء: مختبر السرديات

أضاءت الندوة الدراسية التي نظمها مختبر السرديات بتنسيق مع ماستر السرد الأدبي الحديث والأشكال الثقافية، صبيحة الجمعةثامن عشر دجنبر2015 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، تجليات ثيمة السفر بوصفها قيمة وجودية كما تبلورت في نماذج من متن الشعر العربي المعاصر.

وافتتحت الندوة الموسومة بـ«دفاتر الأسفار في الشعر العربي المعاصر»، د/عائشة المعطي، أستاذة الأدب الإسباني وعضو المختبر، بأرضية نظرية اعتبرت فيها أن «الترحال والسفر شكلا، بعيدا عن أدب الرحلات المتخم بكل ما هو عجائبي، محطة فارقة في النتاج الشعري للشاعر العربي الحديث، الذي لبّى رغبة الانعتاق من استبداد المكان حينا ومن شطط الـمُـمَـكَّـنين أحيانا».

واستشهدت مسيّرة اللقاء بالتجربة الوارفة لشعراء المهجر الأمريكي، وفي طليعتهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ثم إيليا أبو ماضي، الذين كانت لهم «الريادة في تجديد أشكال وأساليب ورؤى القصيدة، التي أضحت مستجيبة أكثر لثيمات وموضوعات بدت ساعتها ثورية وخروجا عن الأنساق». واعتبرت عائشة المعطي أن التجديد الشعري، الذي بلورته أسماء مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، لم يكن له أن يكون لولا وجود «حاضنة شعرية تجاوز زخمها المسافات وعبر القارات».

واستجلت د/ عائشة المعطي أثر هؤلاء في «أنسنة الشعر العربي وتطويع موضوعاته التي باتت تعكس بشكل متزايد التحولات الدرامية للقصيدة الشعرية من خلال تماهيها وانفتاحها على أبعاد إنسانية جديدة» كان السفر المهماز الذي أيقظها ودفعها للتجلي والبزوغ. وخلصت إلى مدى الإثراء، الذي حملته هذه الروح المسكونة باللقاء بالآخر المختلف حضاريا، للمخيال العربي من خلال ما أمدّوا به الأدب العربي من روافد أدبية أجنبية تحمل رؤى فنية لتجارب إنسانية مغايرة.

من جهته اختار الباحث نور الدين بلكودري في مداخلته الموسومة بـ«الأنا والآخر في ديوان دفتر العابر» لياسين عدنان، استقصاء اشتغال ثيمة السفر في هذا العمل الشعري، وذلك عبر ثلاثة مستويات تتكئ على المنهج الفينومينولوجي. وقد عنون المستوى الأول بـ«نقد الآخر وتمجيد الذات» حيث استشف أن لقاء أنا الشاعر بالآخر (الفرنسي والإسباني والبلجيكي) ينبع من اعتباره غريبا ومختلفا تحكمه نظرة اختزالية لهذه الأنا، وهو ما جعل فصولا من القصيدة/الديوان تسافر في التاريخ لاستحضار زمن الأندلس والحضور الحضاري العربي الإسلامي في فضاء الآخر.

ورأى المتدخل أن الشاعر إزاء هذه الصورة السلبية المشكلة عنه من طرف الآخر «يتخذ الكتابة وسيلة رد، حيث يكشف للآخر عن الأعلام العربية والمسلمة التي تركت أثرها في الحضارة الأوروبية» ويعطي للذات بُعدا ممتدا وهو يستحضر أسماء مثل ابن خفاجة وابن زيدون كعلائم على هذا الحضور الثقافي الذي يضيء من بعيد الفردوس العربي المفقود.

وفي المستوى الثاني حاملا للعنوان «الذات المنبهرة والانشداد إلى الأنثى الغربية» يستقصي نور الدين بلكودري انطباعات ومشاعر أخرى لهذا السفر، يتعلق الأمر بعلاقة الشاعر بآسيا وأمريكا، اللتين أثارته فيهما المرأة أكثر من غيرها، وشكلت للأنا مدارا تخييليا يستجيب لرغباته. وقد اعتبر هنا أن «الرحلة إذا كانت ثيمة فهي أيضا تصوغ شكلا مركزيا للعالم الحميمي للذات، وهي صورة دينامية لانكتاب الرغبة والحنين بوصفهما محفزين لاكتشاف الذات ومكانتها عبر تحرير اللاشعور».

أما المستوى الثالث الموسوم بـ«الذات المغتربة وتوجس الآخر الغربي» فقد توقف فيه الباحث عند أثر السفر على الوجدان من خلال ثيمة الغربة وكيف يقوم تجوس الآخر من الأنا في إذكائها وجعلها مثل الجمرة التي تحرق الدواخل. والأمر أن الذات تحل هذه الجمرة وهي «نتعيش اغترابا في كل بلد وفي كل مدينة تحط بها الرحال، اغتراب في المكان وعن الإنسان». وقد خلص في الأخير إلى أن عدنان ياسين اتخذ من «دفتر العابر» وسيلة للكشف عن وجوه الغرب وعن الشرق الثقافي الذي تنتمي إليه الذات ويتم اختزاله في قوالب وكليشيهات وصور نمطية.

مداخلة الباحثة سارة الأحمر حملت عنوان «الغربة والسفر في صوت بلبل في دفاتر الأسفار» للشاعرة البحرينية نبيلة زيباري. وقد جعلت من المقاربة التيماتيكية الخيط المنهجي الناظم لمقاربتها، معتبرة في البداية أن «العلاقة بين السفر والشعر علاقة قديمة وأزلية ترسخت عبر العصور المتلاحقة من هوميروس وجلجامش الذي سافر إلى الأقاصي المجهولة بحثا عن نبتة الخلود إلى ما بعد أدونيس».

ومفصلت المتدخلة ورقتها إلى ثلاثة مستويات تحليلية. حمل الأول عنوان «الطائر ولغة السفر» وتتبعت من خلاله حضور أنواع الطيور في الديوان كمجاز على فعل السفر نفسه، حيث رصدت حضورا قويا لطائر البجع وعلاقته العميقة بالماء والأنوثة وبالحركة في المكان وعدم الارتكان إلى حيز ضيق، مما يعكس الروح المتوثبة للشاعر ويعرب عن ذاتها في علاقة صميمية بفعل السفر. كما تتبعت في قصائد الديوان الحضور الرمزي للحمام، وتحديدا في النصوص الموصولة بفلسطين ومدى الرمزية التي ينهض بها الطائر في التدليل على غياب السلام.

في المستوى الثاني من مقاربتها الموسوم بـ«الغربة والوطن» اعتبرت الباحثة أن «مفهوم الغربة من المعاني الحاضرة بقوة في الشعر العربي الحديث، التي تجد جذورها في الواقع العربي نفسه وقد حولتها النكبات والحروب إلى واقع مأساوي يفرض على الشعراء البحث عن فضاءات أخرى للتحرر». وبينت كيف تميز هذا المستوى بنبرة التشكي والبكاء التي حاولت من خلالها الشاعرة التعبير عن تباريح فراقها لوطنها وتقلبها في ديار الغربة.

أما المستوى الثالث «الغربة والفقد» فقد كان امتدادا لسابقه وإمعانا في كشف تجليات الغربة من خلال استحضار الشاعرة نبيلة زيباري لروحي والديها وهنا «تعود الشاعرة إلى الذاكرة لتنهل من معينها العديد من الصور» التي تعينها على تخطي ألم الغربة.

كتابة تعليق

ضع تعليقك هنا

Previous Post Next Post