اقرا ايضا



يبدوا أن عدوى فيروس الربيع العربي ستزحف إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الأمر سيكون مختلف من ناحية الهيمنة والمواجهة لكل ما يمثل الفكرة الإسلامية، ظهر السيسي في مصر وطلب تفويضا من أجل القضاء على الإخوان المسلمين، واستمر الأسد حتى جعل سوريا الجريحة بحيرات من الدماء، وقسم اليمن الى سنيين وحوثيين، والآن بوادر الهجوم على المسلمين تبدأ من الدول التي تزعم الديمقراطية، دونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية، يعلنها حربا على المسلمين يقول في مناظرة تليفزيونية في ميامي: ( هناك الكثير من الكراهية، وأنا متمسك بما قلته)، فماذا تنتظر الجالية من شخص يعلن عن كراهيته لهم؟ فالعالم لا يحتاج لمثل هذه الخطابات التي تزكي روح العصبية وتشعل لهيب العداوة بين الشعوب، فيكفي ما يشهده العالم من دمار، ودماء، وأشلاء، هنا وهناك، والسبب في ذلك حب النفس والهيمنة والغطرسة لبعض الدول على حساب الدول المستضعفة.

١- مواقف لبعض الدول الإسلامية حول الهيمنة الأمريكية:

تتباين مواقف الدول حول الولايات المتحدة الأمريكية بحسب تدخلها في الشؤون السيادية للدولة، فموقف العراق ليس هو موقف ليبيا، وموقف باكستان ليس هو موقف أندونيسيا، هذا بالإضافة إلى أن هناك تباين في مواقف المسلمين حول السياسة الأمريكية ما بين متشدد ومعتدل، جاء عن مركز pew أن المشاعر المعادية للولايات المتحدة الأميركية كانت قوية حول العالم خلال الغزو الأمريكي للعراق، ويقول بروس ستوكس مدير التوجهات الاقتصادية بنفس المركز، أن المشاعر نحو الولايات المتحدة الأمريكية تتباين بدرجة كبيرة بين الدول ذات الأغلبية المسلمة، ويقول أيضا بأن مسلمي الشرق الأوسط هم أكثر من لديهم نظرة سلبية اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية. 
خصصت محورا خاصا بالتجربة التركية، نظرا للموقف التركي المتسم بالقوة في الطرح والاستماتة في الدفاع عنه، فرغم التعاون الاقتصادي والعسكري بين الدولتين، تبقى العلاقة قائمة على الصراع البارد، الذي يخضع لمنطق الهيمنة الأمريكية، والشخصية الدفاعية عن المواقف والسيادة التركية التي يمتاز بها المسؤول التركي، فأمريكا تسعى جاهدة للتحكم بخيوط السياسة التركية، لكن هذا الأمر يبدوا صعبا جدا مع وجود رئيس يمتاز بالوفاء للدين أولا، وللوطن وقضايا الأمة الإسلامية العادلة ثانيا، ويعتبر الشرق الأوسط نقطة مهمة في تغذية الصراع التركي الأمريكي، فموقف تركيا من القضية الفلسطنية الذي يمتاز بالدفاع عن حق الفلسطينين المشروع عن أرضهم، وموقفهم هذا يختلف عن سياسة النفاق الأمريكي اتجاه القضية الفلسطينية، وقس على ذلك اختلافهم حول الربيع المصري، هذا بالإضافة إلى اختلاف البلدين في القيم الفكرية وما يتبعه من صراع وتضاد، فالخطابات الأمريكية تُمارس الديمقراطية بالأقوال دون الأفعال مع الشعوب المستضعفة، بينما أردوغان يمثل رجل الأقوال والأفعال.ويرى تقرير مركز pew أن الباكستانيين بصفة عامة لهم نظرة سلبية اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وسبب هذا يرجع إلى التدخل العسكري الأمريكي بالمنطقة، وما رافقه من أضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية بها. فكما قلت سابقا إن درجة العداء للولايات المتحدة الأمريكية يتحدد بحسب درجة مواقفها وتدخلها في الشؤون السيادية للدول، كما هو الشأن مع القضية الفلسطنية فقد وصلت نسبة المشاعر السلبية اتجاهها إلى 70%. وأما عن الموقف الليبي من الولايات المتحدة الأمريكية فيتّسم بالعداء للعوامل التالية: - السياسة الجنونية والعدائية التي يمتاز بها الراحل القدافي للغرب. - قضية لوكربي وما رفاقها من الحصار على الشعب الليبي. - الموقف المتأخر والمتراخي من الربيع الليبي .

٢- العلاقات التركية الأمريكية بين النفاق الأمريكي والصلابة التركية:

وبعد مجيء أوباما تغير الخطاب إلى نوع من الهدنة الكلامية والتي تتبعها المناورات، وتصريحاته المتناقضة التي عادة ما يُدلي بها معبراً عن فصاحته البلاغية، دون أي أثر ملموس على أرض الواقع، وهذا ما أدى إلى ظهور منتقدين لسياسته الخارجية في غياب استراتيجية شاملة في معالجة قضايا الشرق الأوسط، والضبابية في علاقته بالعالم الإسلامي، ولقد كٌتب مقال شديد الانتقاد لسياسة أوباما في مجلة أمريكية اسمها (the national interest) حيث عَنْوَن الكاتب (Stephen Walt) مقاله (Obama was not a realist presiden)، فانتقد سياسة أوباما نقدا منطقياً، حيث قال إن سجله السياسي مليء بالإخفاقات، والدليل على ذلك استمرارية الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، الانحياز في الموقف المصري، الضبابية في الموقف السوري، وتعامله السلبي مع الربيع العربي عموما،وإخفاقه في أفغانستان والقضاء على طالبان، وأكد الكاتب أن بناء الدولة ينبغي أن يبدأ من الداخل.عموما فإن العلاقات الأمريكية التركية تتسم بعدم الثقة، وهذا ما ذهب إليه الخبير التركي في الشؤون الأمريكية شعبان كارداش، بأن (هناك عدم ثقة حادة متبادلة بين الطرفين خاصة بما يخص القضية السورية).

٣- الولايات المتحدة الأمريكية من بوش مروراً بأوباما إلى ترامب:

يمتاز الموقف الأمريكي من الإسلام خلال ولاية هؤلاء الرؤساء بنوع من التباين بداية بتطرف جورش بوش، مرورا بنفاق أوباما، والآن هاهو ترامب يعلن العداء الحقيقي للإسلام، فقد حصد العالم في عهد بوش الحروب والدمار، وهدّم البنيان وشرَّد الصبيان، بدأ حربه بالعراق وها هي لم تنتهي بعد، حيث مازالت الدماء تسيل في كل يوم بين العراقيين، ثم دخل إلى أفغانستان واشتعلت النيران وهتك عرض الإنسان، وأعلن حالة الطوارئ في العالم لمحاربة الإرهاب.. 
كثيرة هي المنظمات التي تعمل سرا وجهارا، من أجل محاربة الإسلام ويعتبر عملهم هذا عقيدة يؤمنون بها، ومن أبرز المعادين للإسلام (David Yerushalmi)، وهو ناشط سياسي يهودي، يرأس جمعية (أمريكيون من أجل الوجود القومي) فيقول هذا الرجل: (يجب إطلاق حرب ضد الإسلام والمؤمنين به، فعلى المستوى العملي، هذا يعني أن الشريعة والقانون الإسلامي يجب أن يحظر فوراً)، كما دعا إلى ترحيل المسلمين، وإغلاق المساجد بالولايات المتحدة الأمريكية.وأما المرشح المقترح للرئاسة (دونالد ترامب) فإنه المصيبة الكبرى، فمنذ بداية حملته أعلن حربه عن الإسلام، ودعى في جل اللقاءات إلى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين للولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتبر ترامب المرشح الأوفر حظا في الفور بالإنتخابات الرئاسية الأمريكية، أن الإسلام يكره الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك خلال مناظرة تلفزيونية مع منافسيه في ميامي، فبناء على هذه المواقف العدائية تظهر الخريطة السياسية لهذا الرجل، فلاشك أنه سيحول العالم إلى ربيع عالمي.

٤- منظمات أمريكية عنصرية تكن الحقد الدفين للإسلام:

ومن أهم المعادين للإسلام والمسلمين المحامي (John Joseph Jay)، ويعرف بحقده الدفين للإسلام ويري أن القرآن الكريم كتاب يبرر القتل ويربي على عقلية الانتقام، لذلك فالمسلم كيف ما كان يشكل خطرا على العالم، يقول: ( كل شخص في الإسلام سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا من الممكن أن يصبح جلادنا، فلا يوجد براءة أو أبرياء في الإسلام، إن الإسلام في حرب معنا). 
ثانيا: على الغرب إن كان يسعى إلى الحوار الجاد أن يتنازل عن مخططاته الخبيثة التى تستهدف الهوية والتوابث الإسلامية، ومحاولاته الاستئصالية لكل ما يرتبط بالإسلام والمسلمين، ولذا عليهم أن يكفوا عن محاولاتهم التغريبيّة، وإلباس الأمة الإسلامية أثواب بعيدة كل البعد عن القيم الحضارية للإسلام من إباحية، وإلحاد، وتغذية العلمانيين العرب من أبناء الأمة بأموال طائلة حتى فقدوا الهوية والجذور الفكرية والثقافية.وأما مدير موقع (Jihad watch) ومؤسس حركة أوقفوا أسلمة أمريكا(Robert Spencer)، الحاصل على درجة الماجستير في الدراسات الدينية بجامعة نورث كارولينا (Chapel Hill)، له كتاب (The Myth of Islamic Tolerance)، بالاضافة إلى مقالات عدة يهاجم فيه الإسلام والمسلمين، فهو يعتبر من العنصريين البارزين في الولايات المتحدة الأمريكية، وله علاقات مع حركات الفاشيين، والحركات العرقية الأروبية، من أجل القضاء على الإسلام. وتتمدد هذه الحركة العنصرية ضد الإسلام في أمريكا على نحو واسع ومؤثر في أكثر من (23) ولاية، على شكل مجموعات يسيطر عليها ما يسمونه الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، ويقدم المركز الأمريكي للتقدم (The Center Amirican For Action Fund)، تقارير تبين مختلف المنظمات التي تشتغل من أجل تشويه صورة الإسلام، ولتبرير التدخل الأمريكي في شؤون الدول العربية والإسلامية. وجهات النظر لتصحيح المغالطات والأفكار: أولا: إن الدين الإسلامي بريئ مما ينسب إليه من التطرّف والإرهاب، من طرف كل المنظمات المعادية له، ولا نحتاج هنا لقول هذه التبرئة، لأن الإسلام دين الله للبشرية جمعاء، وللتذكير فقط فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين، حتى لايظن بعض الجاهليين أنه دين الإرهاب والمتطرفين. ثالثا: على الغرب أن يحارب جماعات التطرف والعنصرية ومنظماته المناهضة للمسلمين، الذين أعلنوا الحرب عن الإسلام وكل ما يمت له بصلة. 
تمتاز الأمة الإسلامية بميزة لم تكن لأمة من الأمم، وهي خصيصة الوسطية والاعتدال، فقد ورد وصف الأمة بها في القرآن الكريم في قوله تعالى : (وكذلك جَعَلْنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (البقرة/١٤٣)، فيكفينا فخرا هذا الوسام الرباني، فرغم الحرب المتوحشة التي يقوم الغرب ضد الإسلام من تشويه وتشويش، ومن تعذيب وتقتيل فإن الله عزوجل متم نوره ولو فعلوا من المخططات الشيطانية، والمكائد من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين.رابعا: إن الأمة الحية هي التي تحوّل الأزمات الخطيرة التي تواجهها إلى محطة حوار مع الذات، ومناقشة مشكلات المجتمع، فالإسلام إلى كافة الناس، وأي بحث في هذا الاتجاه يفترض أن نعرف مسبقاً الجمهور الذي نتوجه إليه بالخطاب، من أجل التعريف السليم بالإسلام. خامسا: إعلاميا علينا تصحيح الصورة السيئة التي يرسمها الغرب عن الإسلام وكل الأديان، فكلما مررت أخبار كاذبة عن الإسلام يتم عرض صورة شخص ساجد، وهذا في نظرهم دين الخضوع والخنوع، في حين هو تشريف للمسلم لأنه خاضع وخانع لله عزوجل وليس كما يتوهمون، وإذا عرضوا صورة اليهودي قدم للمشاهدين واقفاً للدلالة على أن اليهودية ديانة المواجهة، وأما المسيحية مثلوها في صورة الركوع، وإنهم لم يفهموا على أن الإسلام فيه قيام وركوع وسجود لله عزوجل وهذه هي العبودية الحقة. وكثيرة هي الأفكار التي تحتاج إلى التصحيح حتى عند بني جلدتنا، لأننا وصلنا إلى الجهل الحقيقي بالدين. ما قل ودل: عود على بدء: لا أقول ختاما، ولكن إلى موعد آخر مع مقال آخر وفي نفس الموضوع، لأنه مشروعي الفكري الذي أبلوره من خلال هذه المساهمات المتواضعة، ولا أحسب نفسي أنهيت الموضوع، لأن قضايا الأمة لا تنتهي، وخاصة المرتبطة بوجود المسلمين بديار الغرب، فإلى أمل أن ألقاكم في موضوع جديد أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد. 
------------------------------------
الكاتب : هشام البشري | اقرأ له أيضا :

كتابة تعليق

ضع تعليقك هنا

Previous Post Next Post