اقرا ايضا


تمت بجامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – وجدة المغرب، مناقشة رسالة دكتوراه بعنوان: "استراتيجية المغرب في مجال الدبلوماسية الاقتصادية من خلال اتفاقية التبادل الحر"، أعدها الدكتور يوسف الصدقي.
تشكل الدبلوماسية الاقتصادية للدول إحدى الآليات الهامة لضبط وتطوير مصالح الدول على صعيد العلاقات الدولية من جانب وعلاقاتها مع وحدات النظام السياسي الدولي من جانب آخر. لذلك فإن دراسة مكونات وطريقة صناعة القرار الاستراتيجي في مجال الدبلوماسية الاقتصادية للدول، فضلا عن تحولاتها، تحتل أهمية كبيرة في الظروف السياسية المعاصرة وذلك لأسباب كثيرة أهمها التغيرات التي طرأت على أدوات السياسة الخارجية وسبل تنفيذها والفاعلين في حقلها.
لعل المتغيرات الدولية في مجال الدبلوماسية الاقتصادية جعلت الباحث يتساءل عن الكيفية التي استطاعة الدبلوماسية الاقتصادية المغربية من خلالها إيجاد طريقها بين كل هذه المفاتيح الجديدة للعالم المعاصر و التوجهات التي تسير عليها المملكة في عملية الإصلاح ـ كمطلب داخلي وضروري للتكيف مع متغيرات الدبلوماسية المعاصرة.
هكذا، فالتحديات الهامة التي يواجهها المغرب والمواعيد الكبرى المقبلة، تتطلّب تطوير مفهومنا ورؤيتنا لدور الدبلوماسية وأولوياتها ومضامينها وأساليب عملها لننتقل بها من طورها التقليدي إلى مجالات جديدة ومتجددة، في مقدمتها المجال الإقتصادي، لتصبح الدبلوماسية الاقتصادية آلية إسناد ودعم للدبلوماسية التقليدية وإطارا مناسبا لتعزيز العلاقات الخارجية للمغرب وتطويرها، وتحصين مناعتها والذود عن مصالحها.
من هنا تأتي أهمية هذه الأطروحة لاعتبارات نظرية وعملية، هذه الأهمية المزدوجة يمكن ملاحظتها على الشكل التالي:
فعلى المستوى النظري: الموضوع يناقش الأسس التي تحكم الاستراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية، ويوضح الأهمية الواجب اعطاؤها للعمل الدبلوماسي لتحقيق التناسق بين التحليل الاستراتيجي والغايات وعناصر القوة الاستراتيجية الشاملة التي تتمتع بها الدولة سواء تعلق الأمر بالقوة الصلبة أو القوة الناعمة.
من المؤكد أن التحليل الاستراتيجي يشمل تسخير اوضاع القوة بغية تحقيق وإنجاز الغايات التفاوضية. وهذا الوضع يجعل الدولة واضحة الرؤية، فهي تعلم وضعها الراهن في كل عناصر قوتها، وتعلم تماماً إلى اين تود أن تصل، وهكذا لا تتم ممارسة اي انشطة غير مطلوبة أو متناقضة، إلا أن كل ذلك يتوقف نجاحه على مدى تصميم تنظيم إداري وهيكلي يناسب هذه الأوضاع، مع استغلال أمثل للآليات الممكنة واستشراف الفرص المتاحة.
كما يقدم الجانب النظري مدخلا لاتفاقيات التبادل الحر وفق مفهوم الاعتماد المتبادل والذي يستند على عدة نظريات ليبيرالية تقدم أسس بالغة الدقة للعلاقة الإيجابية بين العلاقة الاقتصادية الدولية ومفهوم التنمية. وعليه، فانفتاح السياسات على الاقتصاد يمكن أن يشجع النمو، بالرغم من تواجد من يشكك في العلاقة بين الانفتاح والتنمية، لكن يتضح أن مقادر التنمية له علاقة بمن يفاوض من أجل تحقيق المصلحة.
فيما يخص المستوى العملي، فللأطروحة أهميته كذلك وفق مجموعة من الجوانب العملية التي تستأثر بها استراتيجية العمل الدبلوماسي الإقتصادي المغربي من خلال مجموعة من القضايا:
           ï     في مجال التجارة الدولية، يتوقف الموضوع عند مستويات متعددة من التأصيل النظري، وإسقاطه ميدانيا لمعاينة الراهن والمرتجى من موضوع الدبلوماسية الاقتصادية المغربية وواقع التبادل الحر.
           ï     الموضوع يقيم مسلسل التقويم البنيوي لعناصر القوة الدافعة للدبلوماسية الاقتصادية المغربية.
           ï     الدراسة تكتسي أهمية خاصة نظرا لاعتبارها تكريسا لمجموعة من القضايا الاستراتيجية التي أطرت العلاقة بين المغرب ومجوعة من الدول، والتكتلات الاقتصادية القارية والجهوية.
           ï     استراتيجية المغرب الدبلوماسية تبقى ذات أهمية قصوى من خلال هذا الموضوع لكونها تشكل في الحقبة الحالية قاطرة المغرب التنموية، لهذا وجب معرفة أوجه القوة والضعف لدى صانع القرار الدبلوماسي الإقتصادي مع ضرورة معرفة أسباب التحرك ونقط التقاء المصالح.
           ï     إبرام اتفاقية للتبادل الحر يشكل خطوة مهمة في تطور مسار العلاقات بين المغرب ومجموعة من الدول وخاصة الجانب الإقتصادي. وهكذا تأتي مبادرة التبادل الحر لتدشين مقاربة جديدة للعلاقات الخارجية المغربية تتمثل في الانتقال من منطق التعاون والمساعدات إلى منطق التبادل الحر في جميع القطاعات.
           ï     يكتسي كذلك هذا الموضوع أهميته من كون اتفاقية التبادل الحر التي ابرمها المغرب تتسم بالتنوع بين الثنائية والمتعددة الأطراف، وهي ذات أبعادا استراتيجية- اقتصادية وسياسية، يتحرك فيها مجموعة من الفاعلين رسميين وغير الرسميين، والقيام برصد دور كل فاعل يعتبر من الأهمية بما كان لأنه وباختصار هو ما يعطي للدبلوماسية الاقتصادية مجالها الخاص بها.
           ï     القضايا التي تحملها الاتفاقيات تتجاوز البعد الإقتصادي لتحمل أبعادا مركبة، فهناك غالبا رغبة لتحقيق أهداف استراتيجية-سياسية من وراء الاتفاق.
وعليه،  فأهمية  الأطروحة واضحة سواء على المستوى النظري أو العملي، وتبرز قيمتها المضافة من الناحية العلمية في دراستها للدبلوماسية الاقتصادية المغربية من زاوية ومقاربة تجمع بين المنظورين السياسي و الإقتصادي.
فالبعد الإقتصادي هو خيار استراتيجي وعنصر جوهري في الدبلوماسية المغربية، فنحن اليوم أمام واقع داخلي وخارجي يستدعي منا مراجعة فهمنا التقليدي للعمل الدبلوماسي لتصبح لدينا مقاربة جديدة في إعداد خطط عمل وبرامج بعثاتنا بالخارج وتقييمها بحيث تصبح فعالة، وعليه فأداء بعثاتنا الدبلوماسية تقاس بمدى نجاحها في مجال الدبلوماسية الاقتصادية.
فعلى المستوى الداخلي، بلغت بلادنا نقطة مفصلية على درب تحقيق مرحلة تحول ديمقراطي ورفع العديد من التحديات لعل أبرزها التحدي الإقتصادي الذي يستدعي مواصلة بذل الجهد من أجل تحقيق المزيد من الانفتاح على الأسواق الخارجية، وتفعيل الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية مع جوارنا القريب والبعيد وجلب المشاريع والاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى مواصلة الترويج للمغرب كوجهة آمنة مستقرة.
أما على المستوى الخارجي، فإن التحولات الإقليمية والدولية العميقة والمنافسة العالمية دفعت بالجانب الإقتصادي إلى مقدمة سلم الأولويات في العلاقات الدولية. وأضحى بالتالي مستقبل العلاقات بين الدول يخضع تأثيرا وتأثرا بمدى تطور الروابط الاقتصادية بينها.
إن التحديات الهامة التي تواجهها بلادنا والمواعيد الكبرى المقبلة عليها تتطلّب منا تطوير مفهومنا ورؤيتنا لدور الدبلوماسية وأولوياتها ومضامينها وأساليب عملها لننتقل بها من طورها التقليدي إلى مجالات جديدة ومتجددة، في مقدمتها المجال الإقتصادي، لتصبح الدبلوماسية الاقتصادية آلية إسناد ودعم للدبلوماسية التقليدية وإطارا مناسبا لتعزيز العلاقات الخارجية للمغرب وتطويرها، وتحصين مناعتها والذود عن مصالحها.
لقد أمكن للباحث تحديد المشكلة البحثية بناءً على استعراض نتائج الدراسات السابقة والقراءات والملاحظات العلمية، حيث لوحظ نقص واضح في الموضوعات التي تناولت الدبلوماسية الاقتصادية المغربية وفق مجالها المحدد عموما، حيث تفتقر المكتبة العربية إلى مثل هذه النوعية من الدراسات على الرغم من أهمية الدور الذي أضحت تتبوؤه الدبلوماسية الاقتصادية كقاطرة للتنمية الشاملة.
وبناءً على ما سبق، إن دراسة موضوع استراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية المغربية من خلال اتفاقيات التبادل الحر، يثير إشكالية محورية تتمثل في توجهات الدبلوماسية الاقتصادية المغربية وقدرتها على الاستفادة من اتفاقيات التبادل الحر للرفع من تنافسية الدولة الخارجية قصد بلوغ الأهداف المسطرة في إطار استراتيجية التنمية الشاملة للمغرب.
نظرا لطبيعة الموضوع الذي يزاوج بين عدة زوايا اقتصادية، استراتيجية - سياسية وقانونية، فإن دراسة هذا البحث فرضت توظيف نوع من التكامل المنهجي الذي يقوم على استعمال أكثر من منهج واحد لمحاولة الاقتراب من الإشكالية محل الدراسة، وهكذا تم اعتماد المنهج التحليلي لدراسة وتحليل مضامين وأبعاد الموضوع، والمنهج المقارن لدوره في دعم الدراسة من خلال رصد أوجه التشابه والاختلاف بين موضوعنا وبعض التجارب الدولية السابقة والرائدة في مجال الدبلوماسية الاقتصادية، كما تطلبت طبيعة الموضوع استخدام المنهج الإحصائي كشكل من أشكال الاختزال الرياضي لحاجة البحث في دعم تعامله مع الموضوع من خلال المعطيات الرقمية لتجاوز مجرد سرد الوقائع والأحداث، مع الاستعانة بالمنهج التاريخي كأساس لدراسة الأحداث والتنبؤ بتطوراتها المستقبلية.
وقد تمت مناقشة هذه الأطروحة بجامعة محمد الأول وجدة من طرف طالب الدكتوراه الصدقي يوسف  أمام لجنة علمية مكونة من السادة الأساتذة:  الأستاذ: محمد زروالي مشرفا ومؤطرا، الأستاذة خديجة ابوتخيلي عضوة، الأستاذ: خالد الشيات عضو، الأستاذة: نعيمة البالي عضو. وقد نال الطالب شهادة الدكتوراه بميزة "مشرف جدا". 

كتابة تعليق

ضع تعليقك هنا

Previous Post Next Post